ليس من المبالغ القول بأن الهندسة المدنية هي أعرق وأقدم فروع الهندسة وأكثرها التصاقا بنشأة الإنسان وتطوره عبر السنين والعصور .
وقد يصعب علينا تحديد تاريخ نشأة وبداية الهندسة المدنية، ويمكن القول بأن تاريخ الهندسة المدنية هو مراة لتاريخ البشر على هذه الارض. فالإنسان القديم عندما يحتمي بالكهوف من عوامل الطقس والبيئة القاسية ، وعندما يستغل جذع شجرة لعبور نهر فهذا من صميم الهندسة المدنية.
وعبر العصور والسنين تقف معالم الهندسة المدنية شاهداً علي حضارات الشعوب وعلي بلوغ الهندسة المدنية لمواقع هامة في تاريخ وحياة تلك الحضارات والشعوب......... فأهرامات الجيزة في مصر وحدائق بابل المعلقة وسور الصين العظيم ما هي إلا شواهد مدنية قائمة علي تطور حضارات تلك الشعوب ورقيها. ويعلم الجميع بأن ما يقال عن عجائب العالم السبعة ما هي إلا معالم من منجزات مهندسي تلك الشعوب وتلك الحضارات.
فقبل ما يزيد عن 5000 عام، قام المهندسون المدنيون بترك بصماتهم الواضحة في تاريخ شعوبهم، ومن شواهد تلك البصمات معبد الوركاء في العراق، وأهرامات الجيزة في مصر، وقنوات المياه الرومانية، وشبكة الطرق في الامبراطورية الفارسية. وقبل ما يزيد عن 4000 عام كانت مدينتي هاربا وموهانجاوارا في باكستان مزودتان بأحدث ما وصلت إليه تقنية الهندسة الصحية، حيث كانت قنوات الصرف المخفية في شوارع المدينة مبطنة بالطابوق ، ومزودة بنقاط التفتيش مثلما نجدها اليوم. وقبل3000 عام بني سد مآرب العظيم بطول ميلين وبإرتفاع 120 قدما ، وعرضه عند القاعدة 500 قدم. وقبل 2700 عام كانت قنوات الري تجلب المياه لمدينة نينوي في العراق عبر ما يزيد عن خمسين كيلومترا. وتم بناء سور الصين العظيم في فترة قياسية لا تزيد عن عشر سنوات ، وبطول يزيد عن 2500 كيلومترا، وكان ذلك سنة 200 قبل الميلاد. وفي الامبراطورية الرومانية كانت شبكات الطرق المعبدة بالاجر تربط مدن الامبراطورية وتدعم سيل التجارة.
ولعل أول ذكر لكلمة الهندسة المدنية قد جاء في تاريخ الإمبراطورية الرومانية حيث صنفت الهندسة لفرعين هما الهندسة العسكرية ، وتعني بالقلاع والحصون وتطوير السلاح ، والهندسة المدنية وتعني بالانسان واحتياجاتة مثل تشييد المساكن وتعبيد الطرق وبناء الجسور والسدود وشق القنوات للزراعه وجلب المياه الصالحة للشرب وتصريف المياة المستعملة.